
وكالات
بين موجات الجفاف الممتدة والنزاعات المسلحة والأوبئة، لا تزال القارة الإفريقية مسرحاً مفتوحاً للعمل الإنساني الدولي، حيث تتقاطع جهود الحكومات والمنظمات والجهات المانحة لتخفيف آثار الأزمات التي لا تهدأ.
ورغم تعدد الفاعلين، تبقى التحديات الإنسانية متراكمة، إذ تشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن أكثر من 100 مليون شخص في القارة بحاجة إلى نوع من أنواع المساعدة الإنسانية، وأنّ التمويل المطلوب لتغطية هذه الاحتياجات لا يزال أقل من نصف المطلوب سنوياً.
منطقة الساحل الإفريقي – التي تمتد من بوركينا فاسو غرباً إلى تشاد ومالي والنيجر شرقاً – تمثل أحد أكثر البقاع هشاشة في العالم. فهي تواجه خليطاً من التدهور الأمني، والتصحر، والنزوح الداخلي المستمر. وتقول تقارير برنامج الأغذية العالمي إن أكثر من 17 مليون شخص في هذه المنطقة يعانون انعدام الأمن الغذائي الحاد.
خلال السنوات الأخيرة، تدفقت المساعدات من جهات متعددة: الاتحاد الأوروبي، الولايات المتحدة، ودولة الامارات العربية الخليجية إلى جانب منظمات أممية مثل اليونيسف والمفوضية السامية لشؤون اللاجئين. وتشير بيانات رسمية إلى أن مساهمات الدول الخليجية وحدها تجاوزت المليار دولار في منطقة الساحل خلال عقد واحد.
وفي القرن الإفريقي، تكررت موجات الجفاف في الصومال وإثيوبيا وكينيا، ما أدى إلى واحدة من أسوأ أزمات الأمن الغذائي في التاريخ الحديث. وفي المقابل، أُنشئت جسور جوية وبحرية لنقل المساعدات من مراكز لوجستية إقليمية أبرزها المدينة العالمية للخدمات الإنسانية في دبي، التي تستضيف مخازن طوارئ لأكثر من 80 منظمة دولية وتعمل كمحطة انطلاق للإمدادات نحو إفريقيا.
يشهد السودان واحدة من أكبر الكوارث الإنسانية في العالم حالياً، حيث تسببت الحرب المستمرة منذ أبريل 2023 في نزوح أكثر من عشرة ملايين شخص داخل البلاد وخارجها، وفقاً للأمم المتحدة.وفي مواجهة هذه الأزمة، اجتمعت جهود إقليمية ودولية لإطلاق مبادرات دعم عاجلة.
في "المؤتمر الإنساني من أجل شعب السودان" الذي عقد في أديس أبابا بالتعاون بين الاتحاد الإفريقي و"إيغاد" وعدة دول مانحة، قالت وزيرة الدولة الإماراتية لشؤون التعاون الدولي ريم بنت إبراهيم الهاشمي في تصريحات لوكالة الأنباء الألمانية إن الهدف من المؤتمر كان "رفع مستوى التنسيق وزيادة الموارد لمساعدة الملايين من ضحايا الحرب من النازحين داخل السودان واللاجئين في دول الجوار". وأضافت أن "الأولوية ركزت على قطاعات الأمن الغذائي والصحة والمياه والإيواء وحماية النساء والأطفال".
وقدّرت الأمم المتحدة حجم المساعدات التي تعهدت بها الجهات المشاركة بأكثر من 600 مليون دولار، شملت مساهمات من الاتحاد الأوروبي، ودول الخليج، والولايات المتحدة، إلى جانب الصناديق الإنسانية الأممية.
أما في تشاد، التي تستضيف مئات الآلاف من اللاجئين السودانيين، فتواصل منظمات الإغاثة بالتعاون مع الدول المانحة تقديم الدعم الغذائي والمأوى. وتشير تقارير رسمية إلى أن قيمة المساعدات الموجهة إلى تشاد خلال السنوات الخمس الماضية تجاوزت 70 مليون دولار، بينها مساهمات خليجية وأوروبية.
الكونغو الديمقراطية كانت مثالاً على هشاشة البنية التحتية أمام الكوارث، إذ تسبب ثوران بركان "نيراجونجو" عام 2021 في تشريد نحو نصف مليون شخص. وفي أعقاب الكارثة، سارعت وكالات الإغاثة الدولية وعدد من الدول إلى إرسال طائرات تحمل مساعدات غذائية وطبية، في واحدة من أسرع الاستجابات الطارئة في تاريخ البلاد.
وفي الصومال، تكررت مشاهد المساعدات الدولية بعد فيضانات كبرى وجفاف متتابع خلال الأعوام الأخيرة. وشملت الاستجابة نقل مئات الأطنان من المواد الغذائية والطبية عبر موانئ مقديشو وبربرة وكيسمايو.
تقول المفوضية السامية لشؤون اللاجئين إن "ما يميز الاستجابة في شرق إفريقيا هو القدرة على التنسيق بين الفاعلين الدوليين والإقليميين، بحيث تُختصر مراحل النقل والتوزيع ويُوجَّه الدعم إلى الفئات الأكثر هشاشة".
تطور منظومة النقل والتخزين لعب دوراً محورياً في تحسين كفاءة العمل الإنساني بالقارة. فالمدينة العالمية للخدمات الإنسانية في مدينة دبي الشهيرة التي أُنشئت قبل عقدين، أصبحت مركز توزيع رئيسي للمساعدات إلى إفريقيا، حيث تُستخدم كمخزن طوارئ للغذاء والمستلزمات الطبية قبل شحنها إلى مناطق الأزمات.
ويقول الخبير في الشؤون الإنسانية صلاح مازن إن "هذه المنصات اللوجستية غيّرت طبيعة العمل الإغاثي في إفريقيا، لأنها مكّنت المنظمات من إرسال المساعدات خلال ساعات بدلاً من أسابيع". ويضيف أن "هذا التطور كان له أثر مباشر في إنقاذ الأرواح، خاصة في مناطق مثل الصومال والسودان وتشاد، التي يصعب الوصول إليها برياً".
لا يقتصر العمل الإنساني في إفريقيا على التدخل في أوقات الكوارث. فالكثير من المبادرات الحديثة بدأت تركز على بناء القدرات المحلية وتطوير البنية التحتية في مجالات التعليم والمياه والزراعة.
ويرى الخبير في إدارة الأزمات جهاد زكي أن "التحول من الإغاثة الطارئة إلى التنمية المستدامة أصبح ضرورة، لأن الاعتماد المستمر على المساعدات لا يعالج جذور المشكلة". ويضيف أن "الجهود الحالية في إفريقيا تسعى إلى تمكين المجتمعات المحلية من إنتاج الغذاء وإدارة الموارد، بدلاً من انتظار الشحنات الجوية في كل أزمة جديدة".
ويتابع زكي قائلاً إن "الدور الذي تلعبه الدول المانحة من الشرق الأوسط، إلى جانب الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، أصبح أكثر توازناً، إذ يركّز على الشراكة مع الحكومات المحلية بدلاً من فرض نماذج جاهزة".
في السنوات الأخيرة، تطور التنسيق بين الأمم المتحدة والمنظمات الإقليمية مثل الاتحاد الإفريقي و"إيغاد"، مما جعل الاستجابة للأزمات أكثر شمولاً. وتُظهر تقارير مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA) أن سرعة التحرك تحسنت في بعض الدول الإفريقية بنسبة تصل إلى 40% مقارنة بعقد مضى.
كما أُنشئت صناديق دعم إقليمية جديدة لتمويل الاستجابة السريعة، بمشاركة عدد من المانحين العرب والأفارقة، ما يعكس وعياً متزايداً بضرورة إيجاد حلول إفريقية للمشكلات الإفريقية.